لا شك أنّ ليلة التهديد الأخيرة التي عاشها أهالي العسكريين المخطوفين ولا سيما آل البزال، كانت من بين الساعات الأصعب التي مرت عليهم منذ الثاني من آب الفائت، يوم تعرضت عرسال لغزوة من مسلحي "جبهة النصرة" وتنظيم "داعش"، ولكن على رغم كل ذلك مرت تلك الليلة على خير، ومن دون أن يتم التعرض للبزال أو لغيره.
مرّت على خير لأنّ "النصرة" لم تكن جادة في تهديدها أصلاً، أو إذا صح التعبير رفعت سقف مطالبها كثيراً علّها تحصل على ما تريد، فهي أعلنت ما لا تريده حقاً ومرّرت عبر قنواتها الطلبات المنشودة. نعم، لقد رفعت "النصرة" في تلك الليلة شعار إطلاق سراح جمانة حميّد وإلا تصفية علي البزال، لكنها في نهاية المطاف لم تتعرض للبزال ومن دون أن تطلق الدولة سراح الإرهابية حميّد.
المتابعون لهذا الملف يجزمون أنّ الجبهة لم تكن تريد في تلك الليلة إطلاق جمانة حميّد، وأكثر من ذلك فهي تبلغت مراراً وتكراراً من المفاوضين سابقاً أنّ جمانة، التي ضبطت وهي تنقل سيارة مفخخة بمئتي كيلوغرام من المتفجرات لنعيم عباس، هي من الأسماء التي تندرج ضمن لائحة الإرهابيين الخطرين جداً والتي من غير الوارد أن تشملها أي عملية مقايضة على العسكريين. كلّ ما في الأمر أن الجبهة شعرت بأن مقومات الصمود المخزنة لديها في جرود عرسال، حيث يتخطى ارتفاع الثلوج احياناً مستوى المترين، إقتربت من النفاذ، وبالتالي هي بحاجة إلى كميات كبيرة من مادة المازوت التي تستعمل للتدفئة ولتزويد مولدات الكهرباء المخصصة للإنارة، وبحاجة ماسة الى شاحنات محملة بالمواد الغذائية والبطانيات، إضافة الى مستلزمات الإسعافات الأولية، كون الجبهة في حالة حرب وتحتاج في كثير من الأحيان الى معالجة المقاتلين الذين يصابون في الإشتباكات ومن جراء القصف المدفعي الثقيل الذي يلجأ الجيش اللبناني اليه في كل مرة تتعرض فيه نقاطه وحواجزه المنتشرة على تخوم عرسال الى إعتداء مسلح.
وقف تنفيذ الإعدام بحق علي البزال لا يعني أبداً أن الجيش اللبناني تلقى طلباً رسمياً يقضي بالسماح لتلك الشاحنات بالعبور الى حيث تتمركز "النصرة"، ولا يعني أيضاً أن الشاحنات عبرت ووصلت الى المسلحين، بل كل ما في الأمر أن أحد المفاوضين وعد "النصرة" عبر قنواته، بالسعي مع خلية الأزمة الى تنفيذ طلب كهذا، من دون أن يحسم لمسؤوليها أن سعيه قد يأتي بالنتائج المطلوبة، ومن دون أن يحدد لهم وقتاً معيّناً للتنفيذ. وعلى رغم كل ذلك، قبلت "جبهة النصرة" وأعلنت عن تأجيلها التصفية الكاذبة بحق البزال.
يروي المتابعون لهذه المفاوضات أنّ ما سرّع في قبول الجبهة هذا العرض، على رغم عدم حصولها على ضمانات بدخول شاحنات المساعدات، البيان الذي صدر عن شباب آل البزال والذي تضمن تهديداً مباشراً لأهالي عرسال وللشيخ مصطفى الحجيري المعروف بأبو طاقية الذي حمّله البيان مسؤولية ما يحصل، بيانٌ وضع الحجيري تحت ضغط الكثيرين من أهالي عرسال، الذين حمّلوه مسؤولية أيّ خضّة أمنية يمكن أن تتعرّض المنطقة لها جراء تهديدات النصرة وآل البزال، فما كان به إلا أن تدخل مع الجبهة.
هي ليست المناورة الأولى التي تستعملها "جبهة النصرة" ولن تكون الأخيرة، لذلك يمكن للأهالي أن يدركوا من الآن فصاعداً أنّ خلف أيّ تهديد بالقتل يتعرّض له أولادهم، حاجة ماسة لفتح المعبر بين عرسال وجردها، إما لإدخال شاحنات المساعدات وإما لتمرير جريح في حال حرجة الى مستشفيات عرسال الميدانية.